نشأت في دوالا، وهي مدينة ساحلية في الكاميرون والمركز الاقتصادي للبلاد. وقد رُزقنا أنا وزوجتي بثلاثة أبناء. وأكبرهم عمره الآن 18 سنة، والثاني تسع سنوات، وأصغرهم عمره ثلاث سنوات فقط. وكحال كثير من الناس في إفريقيا، كان كسب ما يكفي لتلبية حاجات الأسرة أمراً صعباً، فضلاً عن أن العمل قد لا يكون مستقراً. ولذلك، كنتُ قد قررت قبل عشر سنوات أن أفعل ما فعله الملايين قبلي وبعدي، وأن أسافر لكي أجد عملاً أكسب منه مالاً كافياً أعول به أسرتي.
وقررتُ أن أتوجَّه إلى الجزائر. وقد توجَّه كثير من الناس من بلدي شمالاً بهدف الوصول إلى أوروبا. أما أنا فصاحب أسرة تركتها في الكاميرون، ولذلك لم أشأ أن أفعل مثلهم. ووجدتُ ما اعتبرته أسلم طريق، فسافرتُ ما يقرب من خمسة آلاف كيلومتر من دوالا إلى نيجيريا، ثم عبر النيجر، وأخيراً إلى الجزائر.
وما إن وصلتُ إلى هناك حتى توجَّهتُ إلى ساحل البحر المتوسط واستقرَّ بي المقام في مدينة تُسمَّى وهران. كانت معروفة بأنها مدينة متعددة الثقافات ويشعر الغرباء فيها بأنهم مقبولون. ووجدتُ مكاناً أعيش فيه ووظيفةً ثم عملتُ بجد وادخرتُ بعض المال.
وقبل أربع سنوات، توليتُ وظيفة جيدة في مغنية في ولاية تلمسان، على مسيرة ساعتين ونصف تقريباً بالسيارة من وهران. كان العمل في مجال البناء، وعلى الرغم من أنني أجنبي، فقد حققتُ نجاحاً في الوظيفة. كنتُ أتمتع بالاحترام وحصلت على منصب منسق موقع البناء المسؤول عن تشغيل العمال. وكنت أحصلُ على أجري بانتظام، وكان المال وفيراً، فكان يكفيني أنا وأسرتي في الوطن. لكن صاحب العمل لم يُوقِّع معي قط عقد عمل برغم أنني كنتُ أطلب منه ذلك باستمرار، ونتيجة لذلك لم أستطع الحصول على بطاقة الإقامة.
هناك درجة من العنصرية في كل مكان، وهذا ينطبق على الجزائر أيضاً، لكنني لم أدع هذا يقلقني كثيراً. وعندما أعلن رئيس الوزراء أنه يتعين على جميع المهاجرين في الجزائر تسجيل أنفسهم، ذهبتُ طوعاً إلى مركزي شرطة، في مغنية حيث أعمل، ثم في عطلة نهاية الأسبوع، في وهران حيث أقيم.
غير إن الأوضاع تغيَّرت عندما تولى رئيس الوزراء الحالي أحمد أويحيى منصبه في عام 2017. كانت أسعار النفط قد انخفضت وبدأت السلطات تلقي اللوم على المهاجرين بسبب مشاكل البلاد الاقتصادية. وقد شجع هذا فعلياً على تنامي السلوك العنصري، وحتى في وهران، بدأ السود أمثالي يختبئون في منازلهم ولا يخرجون. ومع ذلك، لم أدرك مدى ما ستصل إليه الأوضاع من سوء.
كان الوقتُ مساءً في أحد أيام الجمعة من شهر ماي/أيار 2018. وكنت قد انتهيتُ من العمل ذلك الأسبوع وكنتُ في السوق في مغنية، أنتظر كالعادة الحافلة التي تعيدنا إلى وهران على بعد 170 كيلومتراً.
وفجأة، قبض أفراد الشرطة الجزائرية عليَّ دون سبب محدد، وانتزعوا هاتفي المحمول، دون حتى أن يطلبوا رؤية جواز سفري، ودفعوني إلى سيارة تابعة للشرطة يوجد بها مسبقا أشخاص من غينيا والسنغال ومالي. وأخذونا إلى مركز الشرطة. وبعد قضاء بضع ساعات في المركز المحلي، نُقلتُ إلى مركز أكبر في تلمسان.
كان من الصعب معرفة ما يحدث بالضبط، لكنني كنتُ قد عرفتُ عند هذه المرحلة أنني على وشك أن أُرحَّل. لم أكن قد ارتكبتُ أي خطأ، لكن شيئاً مماثلاً كان قد حدث لكثير من أصدقائي من إفريقيا جنوبي الصحراء، ولذلك أدركتُ بعضاً مما كان سيحدث. وسألتُ الشرطة إن كان من الممكن أن يرسلوا أحداً إلى منزلي في وهران ليجلب أمتعتي ومدخراتي، لكنهم رفضوا.
تركوني في المركز في تلمسان 24 ساعة، ثم اقتادوني أنا وعشرات المهاجرين الآخرين القادمين من أماكن مختلفة داخل حافلة.
كان معنا أناس على كل شاكلة: كان هناك أشخاص من مالي قُبض عليهم في المطار، برغم أنهم يحملون جوازات سفر سارية المفعول، ونساء، وأطفال من بينهم رضيع عمره أسبوع واحد. ودُفِعنَا داخل حافلة، وكان هناك حوالي 40 حافلة إجمالاً. كان يجلس خلفي شخص يطلب اللجوء. وبدأت الحافلة تسير بنا جنوباً موغلة في الصحراء.
قضينا في تلك الحافلة ساعات وأياماً وهي تقطع مئات الكيلومترات تليها مئات أخرى، نهاراً وليلاً.
وفي النهاية، بعد أن قطعنا ما يزيد عن 1000 كيلومتر، وصلنا إلى رقان، وهي بلدة في وسط الجزائر تبعد مسيرة ساعتين بالسيارة عن أي عمار. ونزلنا من الحافلات ثم تُركنَا في العراء.
لم يكن معنا طعام ولا ماء. كان ذلك يوم الثلاثاء 15 ماي/أيار. كانت الحرارة 40 درجة مئوية، ولا يوجد شيء يمكن أن يُستظل به حتى النساء والأطفال.
وفي وقت لاحق تلك الليلة، كُدِّسنا في شاحنات مكشوفة وبدأنا نتحرك جنوباً من جديد.
وعندما وصلنا إلى الحدود مع مالي تركونا في قرية صغيرة اسمها برج باجي مختار. وأمرونا بالسير نحو الحدود، وهددونا بالبنادق حتى نتحرك.
“كنا نفكر في الوصول إلى إيطاليا...”
Iغادرتُ الكاميرون في عام 2015 متوجهاً إلى الجزائر ومعي زوجتي. واستقر بنا المقام في وهران للعمل، وادخار المال، قبل استئناف رحلتنا شمالاً. كنا نفكر في الوصول إلى إيطاليا ثم التوجه منها إلى دولة أوروبية أخرى تتوفر فيها فرص عمل أفضل. وكان المفترض أن نعبر البحر المتوسط عن طريق ليبيا بحلول نهاية عام 2017، لكن عندما سمعنا أنباء ما يحدث هناك آنذاك قررنا البقاء في الجزائر.
كانت زوجتي مصففة شعر، وكنت أنا أعمل في موقع بناء. وكانت وهران لسنوات طويلة مدينة متعددة الثقافات، ولم نتعرض لأي حوادث تعصب إلى أن بدأت المداهمات هنا أيضاً.
تتواصل القصة في الفصل الثاني
“كنتُ لسنوات أسافر بانتظام إلى الجزائر من وطني النيجر.”
ذهبتُ أول مرة في عام 2012 ثم في عام 2013 وعام 2014 وعام 2016 وزاولتُ عدة أعمال مختلفة هناك. الجزائر مقصد مألوف للعمال النيجريين المهاجرين الذين يعودون إلى بلدهم في نهاية الأمر بعد قضاء بعض الوقت هناك لكسب المال. كنتُ أعمل معظم الوقت كعامل تصليد للمطاط (عملية تحسين خواص المطاط بعد إضافة الكبريت إليه). كنت دائماً ما أقابل مشاكل في الحصول على أجري، فأصحاب العمل كثيراً ما يتأخرون في الدفع، أو يدفعون أقل من المتفق عليه. أحياناً يشعر المرء كأن الجزائريين يعاملوننا كالعبيد. فهم يغلقون أنوفهم عندما يرون أشخاصاً سوداً في الحافلة، ويرفضون الجلوس بجانبهم.
وبرغم البيئة المعادية، فلم يُقبض عليَّ قط قبل عام 2017. في هذا العام، زاد تدهور الوضع المعادي للعمال القادمين من جنوبي الصحراء. وقُبض عليَّ في الجزائر العاصمة وأعادوني بشاحنة إلى النيجر، مع عدة مئات من النيجريين وأبناء دول أخرى. ورأيت كثيراً من النساء والأطفال من بلدي داخل الشاحنات.
“لم أتوقع أن يكون الوضع قاسيا أيضا في الجزائر.”
اضطررتُ للفرار من غينيا كوناكري في 2011 بسبب الاضطرابات السياسية.
ففي سبتمبر/أيلول 2011، قُتل أبي لأنه كان يؤيد زعيماً معارضاً تعرض أنصاره للاضطهاد. كان عمري 18 سنة عندما شهدتُ كثيراً من العنف الدائر حول السلطة في كوناكري. وعندما توفيت أمي أيضاً غادرت البلاد ووصلت إلى الكونغو برازافيل للعمل هناك.
ثم انتقلت إلى مالي ومنها إلى الجزائر، حيث سمعت من أصدقاء أن بها فرص عمل. وكنا قد سمعنا أن الحياة في ليبيا آنذاك كانت كالجحيم بسبب الرق والعنصرية، لكنني لم أتوقع أن يكون الوضع قاسيا أيضا في الجزائر.
وصلتُ إلى غاو في مالي، ثم دفعتُ 250 ألف فرنك إفريقي (العملة المتداولة في غرب ووسط إفريقيا والمبلغ يعادل حوالي 430 دولاراً أمريكياً) للمهرِّب مقابل وعد بأن أصل إلى وهران، لكن ما حدث كان مختلفاً تماماً. كنا في شاحنة صغيرة مع 125 شخصاً آخر. وعندما وصلنا إلى الخليل عند حدود مالي مع الجزائر، تَرَكَنَا مع جماعة مسلحة طالبتنا بما معنا من مال. كانوا مسلحين بأسلحة ثقيلة ومناجل. هددونا وأجبرونا على الاتصال بأسرنا حتى ترسل لنا المال وإلا فلن يسمحوا لنا بمواصلة رحلتنا، وعندها فقدت كل أمتعتي وأوراقي.
وبعد أسبوعين طويلين، تمكنتُ من مغادرة القرية ومواصلة رحلتي إلى وهران. لم أستطع التمتع بالجزائر طويلاً حيث قُبض عليّ بعد ثلاثة أشهر، ورُحِّلتُ إلى النيجر. كنا 195 شخصاً في 14 حافلة، وكان علينا السير على أقدامنا في الصحراء.
أُصبتُ بخيبة أمل شديدة. كنت أحلم بالتوجه إلى أوروبا ومواصلة دراستي والعمل بالسياسة، وإنقاذ بلدي. وأخاف العودة إلى كوناكري، حيث من المؤكد أن أواجه مشاكل مع أجهزة الأمن. أريد أن أصبح مشهوراً، وأن أفعل شيئاً من أجل قارتي إفريقيا.
في عام 2008، اعتمدت الجزائر القانون رقم 08-11 الذي يحكم شروط الدخول والإقامة والتنقل بالنسبة للمواطنين الأجانب. ويعامل هذا القانون الهجرة غير النظامية معاملة الجرم الجنائي الذي يُعاقَب عليه بالسجن لمدة تصل إلى سنتين، وينص على إجراءات قانونية لطرد المهاجرين من الجزائر.
ويعاقب القانون على عدم الامتثال لأمر الطرد بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات. كما استحدَث القانون رقم 09-01 الصادر في 25 فيفري/شباط 2009 لتعديل قانون العقوبات جريمة جنائية جديدة هي الخروج غير القانوني، سواء من قبل المواطنين الجزائريين أو المواطنين الأجانب، وهي الجريمة التي يعاقَب عليها بالسجن لمدة تصل إلى ستة أشهر. وينص القانون رقم 81-10 لعام 1981 الخاص بشروط تشغيل العمال الأجانب على أن استخراج تصاريح العمل لا يتم إلا للوظائف التي يتعذر على المواطنين الجزائريين شغلها. كذلك فإن المواطنين الأجانب مطالبون بالحصول على تصريح عمل قبل دخول الجزائر حتى يتمكنوا من التقدم بطلب استخراج بطاقة إقامة.
هذه القوانين مجتمعة تعني أن مواطني الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الذين يهاجرون إلى الجزائر بحثا عن العمل لا يتم تسجيلهم في أغلب الأحوال؛ وهكذا فإنهم لا يستطيعون تسوية أوضاعهم أثناء وجودهم بالجزائر، ومن ثم يتعرضون لخطر الملاحقة القضائية والسجن والمضايقة من جانب السلطات.
“كل شيء قد سُرق، بما في ذلك أوراقنا...”
وفي حلكة الليل يوم 15 أفريل/نيسان، دقَّت الشرطة بابنا بعنف ثم حطمته. وأخذونا دون توضيح الأسباب. كانت زوجتي حاملاً لها سبعة أشهر وأسبوعان. وفي الحافلة أبلغتنا الشرطة بأننا سنُرحَّل. وطلبنا منهم أن يمنحونا بضع دقائق لجمع أمتعتنا حتى يكون معنا شيء نبيعه خلال الرحلة التي ستكون شاقة بلا شك.
وعندما وصلنا إلى مركز الاحتجاز في بئر الجير كان به بالفعل حوالي 300 شخص آخر. ولاحظت أن حقائبنا لم تصل. وعندما حاولتُ أن أسأل شرطياً، صفعني وأخذني إلى غرفة مقفلة، وهاجمني بمسدس صعق كهربائي، ثم أخذ عدة أفراد آخرين من الشرطة يضربونني بالهراوات وأعقاب بنادق الكلاشنيكوف، بينما كان آخرون يرشون عليَّ الماء. وأُفرج عنَّا بفضل تدخل منظمة محلية؛ لأن زوجتي كانت في مرحلة متقدمة من الحمل.
وعندما عدنا إلى البيت وجدناه شبه خالٍ وكل شيء قد سُرق، بما في ذلك أوراقنا. وكان 40 مهاجراً آخر من جنوبي الصحراء يقيمون في المبنى نفسه، لكننا لم نجد أحداً عندما عدنا. كان الوضع يتدهور بسرعة في وهران، ومن ذلك الوقت، صارت الحياة مستحيلة لنا هناك. واضطررنا للاختباء في البيت ولم يعد بمقدورنا السير بحرية في الشوارع.
وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني، قبضت عليَّ السلطات من جديد خلال تفتيش للمنازل. حاولت أن أريهم دليل إدراجي في "برنامج العودة الطوعية" الذي تشرف عليه "المنظمة الدولية للهجرة"، لكنهم رفضوا فحص الأوراق. وفُصلتُ عن زوجتي وطفلي ونُقلتُ إلى تمنراست. ولحسن حظي، تمكنتُ من الهرب من الترحيل إلى النيجر، وجمع بعض المال من أجل العودة إلى أسرتي.
تتواصل القصة في الفصل الثالث
“ ... حطموا كل شيء، واقتادوا من وجدوهم، وأخذوا يضربونهم.”
بعد أن قضيتُ ثلاثة أعوام في الجزائر، قُبض عليَّ دون توقع في مكان عملي وإقامتي. فقد كنتُ، مثل كثير من العمال المهاجرين من إفريقيا جنوبي الصحراء، أعيش في موقع البناء الذي أعمل به، وأنام هناك. وذات ليلة سمعنا بعض الضجيج وكان شخص ما يطرق الباب طرقاً شديداً. وما إن حطم أفراد شرطة الدرك الباب حتى توجهوا على الفور إلى غرفة السود حيث حطموا كل شيء، واقتادوا من وجدوهم، وأخذوا يضربونهم ويرغمونهم على ركوب حافلات، وهم يصيحون "ترحيل! ترحيل!". أخذونا جميعاً دون تمييز بين من يحمل وثائق ومن لا يحمل.
وحاول كثير منا الهرب من الاعتقال، فتعرضوا لمزيد من الضرب. وأُصيب بعضهم بكسور في سيقانهم أو أقدامهم وهم يجرون. وتساءلت لماذا نُعامل بهذه الطريقة؟ أنا لم أرتكب أي خطأ، كنت أعمل فحسب مثل كل السود في موقع البناء. لماذا هذا الظلم؟
منذ شهر أوت/آب 2017، قامت الشرطة الجزائرية وقوات الدرك الوطني– وهي قوة عمومية ذات طابع عسكري تابعة لوزارة الدفاع – بمداهمات واسعة النطاق شملت الشوارع ومنازل اللاجئين وأماكن عملهم، وخاصة مواقع البناء، فجمعت خلالها المهاجرين من مجموعة من دول جنوب الصحراء، وعلى رأسها النيجر، ولكن أيضا مالي وساحل العاج وغينيا كوناكري وغينيا بيساو والكاميرون ونيجيريا وبنين وبوركينا فاسو وغامبيا وليبيريا والسنغال. واعتقلت السلطات عشرات الآلاف من الأشخاص في موجات توقيف جماعية في ضواحي مدينة الجزائر العاصمة والعديد من المدن الأخرى مثل البليدة، وبجاية، وتمنراست، وتيزي وزو، وسطيف، وتيبازة، ومستغانم، وأدرار، وبشار، وبرج باجي مختار، ووهران، وذلك حسب منظمات المجتمع المدني المحلية والمحامين. وفي بعض الحالات، استخدمت السلطات العصي، وقامت بركل المهاجرين أثناء توقيفهم.
وقال بعض المهاجرين الذين تم توقيفهم إن قوات الأمن لجأت إلى التصنيف العنصري عند توقيفهم، حيث اعتمدت على لون البشرة أو الموطن الأصلي المفترض، وفي كثير من الحالات تم ذلك دون محاولة التأكد مما إذا كان المهاجرون لديهم الأوراق اللازمة للإقامة في البلاد. وقال عشرات من المهاجرين الذين تحدثوا إلى منظمة العفو الدولية إنه لم يكن هناك أي تقييم على أساس فردي لحالاتهم، وإنه لم يتم إشعارهم بأسباب اعتقالهم. وفي حالات كثيرة، أنكرت كذلك السلطات حقهم في الاستعانة بالمساعدة القنصلية.
وكان بعض من تم توقيفهم وترحيلهم من المهاجرين غير الموثقين، بينما كان آخرون يحملون تأشيرات أو بطاقات إقامة صالحة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، اعتقلت قوات الأمن أيضا مئات اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في الجزائر، وطردت إلى النيجر طالب لجوء واحد على الأقل من مالي. ومنذ جانفي/كانون الثاني 2018، تم طرد العشرات من اللاجئين وطالبي اللجوء إلى النيجر ومالي. وحسب للمنظمات المحلية، فقد شهد شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018 ارتفاعا في أعداد الموقوفين من طالبي اللجوء واللاجئين.
وفي مدينة وهران الواقعة غربي الجزائر، قامت السلطات من مارس/آذار إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بعمليات تفتيش من منزل إلى منزل في منتصف الليل في بعض الأحياء التي يعيش فيها المهاجرون، فقامت بتوقيفهم وإجبارهم على ترك كافة ممتلكاتهم وراءهم. وفي بعض الحالات، أدت هذه المداهمات إلى الفصل بين أفراد الأسرة. فمثلا في أثناء تفتيش أحد المنازل يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني، قامت السلطات بتوقيف مواطن كاميروني وعزله عن زوجته وابنه البالغ من العمر ثلاثة أشهر ونقله إلى تمنراست. وقد تمكن هذا المواطن من الفرار قبل ترحيله، وفي يونيو/حزيران، قدمت الأسرة طلبا إلى "برنامج العودة الطوعية" التابع لمنظمة الهجرة الدولية في الجزائر، لكن السلطات رفضت التحقق من الوثائق ذات الصلة عند التوقيف.
“... نحن مضطرين للاختباء في البيت مع طفلنا حديث الولادة.”
فكرنا في مرحلة ما أن نهرب إلى المغرب عبر حدود مغنية، لكن هذه الحدود خطيرة للغاية كذلك، ولم نشأ أن نجازف بحياتنا، وخصوصاً بحياة طفلنا. وقررنا عندئذ أن نبقى، ونطلب من "المنظمة الدولية للهجرة" أن تعيدنا إلى الكاميرون. لم يكن لنا خيار غير العودة إلى بلدنا حتى لو كان معنى ذلك فشل ما خططناه لحياتنا. فمنطقتنا غير مستقرة، ونحن نخاطر بالتعرض لمشاكل أخرى بالعودة إلى بلدنا، لكننا نفضِّلُ أن نموت في بلدنا على أن نموت هنا في الجزائر. على الأقل ستتمكن عائلاتنا من وضع حجر على قبورنا.
لقد وُلد طفلنا هنا بفضل مساعدة منظمة محلية سهَّلت لنا الدخول لمستشفى. وقد مضت خمسة أشهر منذ أن التحقنا "ببرنامج العودة الطوعية" لدى "المنظمة الدولية للهجرة"، وما زلنا ننتظر هنا ونحن مضطرين للاختباء في البيت مع طفلنا حديث الولادة.
هل هذه حياة؟ لماذا تستخدمنا السلطات كبش فداء لتبرير خياراتها الاقتصادية السيئة، والصعوبات التي تواجهها الجزائر بعد انخفاض أسعار النفط؟ إن السلطات، بلجوئها إلى هذا الخطاب، إنما تشجِّع العنصرية فعلياً داخل المجتمع، وحتى هنا في وهران، بدأ كثير من الجزائريين يتعاملون معنا بعدوانية، مع أننا كنا دائماً نعيش معاً من قبل.
مرت سبعة أشهر على اعتقال الشرطة لنا، وما زالت المداهمات مستمرة، ونحن محاصرون يحيط بنا الخوف من أن نُستهدف. فقد كان أحد أصدقائنا المقربين وأسرته ضحايا لإحدى المداهمات الأخيرة. وقد تمكن من الهرب لكن زوجته وابنه الذي يبلغ عمره ستة أشهر اعتُقلا ورُحِّلا إلى النيجر. كيف يمكن أن تترك رضيعاً عمره ستة أشهر في وسط الصحراء؟ هذا أمر غير إنساني!
“... كانت الشرطة تضربنا بالهراوات والعصي.”
استقر بي المقام في مدينة البليدة بالجزائر، وعملتُ على مدى ثلاث سنوات في موقع بناء. كنتُ أكسب 1500 دينار في اليوم. وقُبض عليَّ في موقع البناء نفسه مع عمال آخرين من النيجر، والكاميرون، وغينيا، ومالي، وبنين؛ وجميعهم أفارقة فحسب. وقال أفراد الشرطة إن السبب هو رئيس الوزراء الجزائري الذي يهدف إلى تطهير البلاد من السود.
أخذوني إلى مركز الشرطة، في أولاد يعيش، ثم إلى مخيم زرالدة قرب الجزائر العاصمة حيث قضينا ثلاثة أيام. وقد تركتُ خلفي كل شيء، بما في ذلك ملابسي وأمتعتي وما يزيد على 180 ألف دينار جزائري (حوالي 1500 دولار أمريكي)، وهو مجموع المدخرات التي جمعتها بشق الأنفس خلال إقامتي في الجزائر. وكانت الشرطة موجودة في مخيم زرالدة، وكذلك الدرك و"الهلال الأحمر الجزائري". ولم يكونوا يسمحون لنا في المخيم بالذهاب إلى المرحاض ليلاً. واضطررنا إلى التبول في برميل والاحتفاظ به بجانبنا. وبعد أن قضينا ثلاثة أيام في هذا المكان المزري، نقلونا إلى تمنراست. وأثناء نزولنا من الحافلة في تمنراست، كانت الشرطة تضربنا بالهراوات والعصي. كنَّا في قافلة 15 أو 16 حافلة على وجه الإجمال، وتعرضنا للضرب جميعاً بلا سبب، وأُصيب كثير منا بجروح.
كنتُ على وشك العودة إلى بلدي ومعي هاتفي المحمول من طراز سامسونج جي5، وهو الشيء الوحيد الذي بقي لي بعد القبض عليَّ، لكنه صُودر في تمنراست. لماذا فعلوا بي ذلك؟ أنا لم أقتل أحداً، ولم أرتكب أي خطأ في الجزائر حتى أستحق هذه المعاملة.
وما إن انقضت ثلاث ساعات على وصولنا إلى تمنراست حتى كنا بالفعل في شاحنات تتوجه بنا نحن حدود النيجر. وتركتنا قوات الأمن هناك وقالوا لنا: "هل ترون تلك النقطة؟ تلك هي النيجر". كنا 500 أو 600 شخص، وقاد النيجريون الذين يعرفون الطريق أفضل من غيرهم المجموعة. وسرنا تحت الشمس من التاسعة صباحاً تقريباً حتى الرابعة من الصباح التالي.
بعد فترة وجيزة تراوحت بين يوم وثلاثة أيام رهن الاعتقال، أجبرت السلطات أعدادا كبيرة من المهاجرين وعشرات من اللاجئين على ركوب حافلات نقلتهم مسافة تفوق 2000 كيلومتر إلى تمنراست جنوبي الجزائر دون توفير ما يكفي من الماء أو الطعام. وفي بعض الحالات، احتجزت السلطات المهاجرين لمدد مطولة وصلت إلى بضعة أشهر. وقال ما لا يقل عن عشرة من المهاجرين الذين أجرت منظمة العفو الدولية معهم مقابلات إنهم تعرضوا للضرب من قبل السلطات خلال عملية النقل.
وفي تمنراست اعتقلت السلطات المهاجرين واللاجئين عند معبر تديره قوات الدرك الوطني، حيث لا يسمح لأحد بالمغادرة. وقال بعض المهاجرين الذين تحدثوا إلى منظمة العفو الدولية إن السلطات نقلتهم من تمنراست خلال ساعات، بينما ظل آخرون محتجزين لعدة أيام. وقالوا للمنظمة إن السلطات أركبتهم بالقوة في شاحنات كبيرة مفتوحة ونقلتهم جنوبا باتجاه الحدود.
وقد تم توقيف آخرين خلال موجات عديدة من التوقيف في مدن جزائرية مختلفة، مثل تلمسان، ومغنية، ووهران، وغرداية، وتم تجميعهم في معتقل في الهواء الطلق في رقان في المنطقة الجنوبية بالجزائر. وطبقا لما جاء على لسان المهاجرين، فقد قامت قوات الأمن، بعد فترة قصيرة من اعتقالهم، بإركابهم قسرا في حافلات حملتهم إلى برج باجي مختار، وهي آخر مدينة جزائرية قبل الحدود مع مالي.
بالإضافة إلى الصور التي تمت الإشارة إليها سابقا في هذا المنشور الرقمي ، فإن منظمة العفو الدولية تشير لحقوق الملكية بالنسبة للصور التالية:
تم إنشاؤها من قبل Holoscribe ، بمساعدة من Froont وتحرير من طرف Harpoon Productions.
ساعدونا الآن على حماية حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين في الجزائر: طالبوا السلطات الجزائرية أن توقف عمليات الطرد الجماعي التعسفي للنيجر ومالي، وأن تمنح حماية دولية للاجئين، وأن تسن قانوناً بشأن اللجوء!